كزهرة برية تنبت من لهو وشغب الطفولة… تزهو بتفتحها وتُطيل النظر لذاتها باندهاش الأطفال وبراءتهم… ما الذي يسري في نسغها..؟ ما الذي يعتري كيانها ويتراقص على وريقات جسدها…؟ هي الطفلة الصغيرة التي كانت بالأمس برعماً تمرح في حقول الطفولة الندية غير آبهة إلاَ لألعابها وأناشيدها… تضع اليوم أولى خطواتها على دروب المراهقة المفضية إلى عالم النضج والأنوثة، وكلنا يعرف ما يكتنف هذه المرحلة من غموض ملتبس في العالم الداخلي للمراهِقة، وتحول قد يبدو مخيفاً لها أحياناً.
إذاً هي بداية المراهقة لفتاة لم تخرج نهائياً من عالم الطفولة، وإنما لديها شعور غامض بتبدلات طارئة ليس فقط على مظهرها الخارجي، وإنما يتعداه إلى عالمها الروحي. حيث تتولد عندها مشاعر وأحاسيس لم تعرفها من قبل، فتغدو فتاة حساسة تتألم مشاعرها لأبسط الأشياء، وقد تنقلب فجأة لإنسانة مرحة ضاحكة دون مبررات واضحة. إضافة للاعتناء بمظهرها الخارجي والوقوف الطويل أمام المرآة تتأمل جمالها وأناقتها، كما تميل للكسل والاسترخاء وذلك بفعل النمو والتبدل الفيزيولوجي والسيكولوجي الذي يلف كيانها في هذه المرحلة، إضافة لرغبتها الشديدة في البقاء وحيدة تعيش أحلام اليقظة المميزة لهذه المرحلة العمرية، والتي غالباً ما يكون بطلها فارس الأحلام المنتظر والتخطيط البارع لمستقبلها العلمي والاجتماعي.
هنا على الأم ألاَ توقظها من أحلامها التي تساعدها على اكتشاف حقيقة شخصيتها وتوكيد ذاتها بشكل أفضل، كما عليها ألاَ تقلق من لجوء ابنتها للعزلة والوحدة لأن هذا الشعور سيتلاشى إذا ما تعاملت الأم مع ابنتها بحذر وحكمة ممزوجة بالحب والصبر محاولة التقرب من ابنتها ومد جسور الثقة والصداقة بينهما لتعود هذه الابنة من جديد لمحيطها الأسري والاجتماعي. لأن العنف والقسوة في مثل تلك الحالة قد يحول الوحدة والعزلة إلى عقدة نفسية قد يصعب حلها والشفاء منها.
وقد تكون الفتاة خجولة أكثر من اللازم، هنا على الأم أن تعلمها كيفية التواصل مع الآخرين بلباقة من خلال المشاركة في بعض اللقاءات والنقاشات، والإنصات بدقة لما يدور في هذه الأحاديث، ومناقشة الحضور وإبداء رأيها، مع ضرورة الإصغاء لها واحترام رأيها من قبل الأهل والأصدقاء.
ولا ننسى الدور الهام والمميز لمسألة الصداقة والأصدقاء في حياة المراهق، وكم هي ضرورية في هذه المرحلة، ففيها تنعتق الفتاة من الأسر الوالدي، وتستنير بآراء الأصدقاء أكثر من رأي الأهل لأنها تبتعد عن الوعظ والإرشاد الأبوي.
مع ضرورة أن تكون هذه الصداقات تحت رقابة الأهل لما قد تجره من مصائب في بعض الحالات على الأهل والفتاة، إضافة إلى نقطة أخرى حساسة جداً وهي عدم مقارنة الأم لابنتها مع إحدى صديقاتها أو محاولة التشبه بها، لأن ذلك يفقدها الثقة بنفسها من جهة، وقد يعزز شعور الغيرة والحسد لديها من جهة أخرى، والأفضل أن تساعد الأم ابنتها على تكوين شخصيتها المستقلة، وأن تعزز ثقتها بنفسها وبإمكانياتها من خلال تدعيم الجوانب الإيجابية في شخصيتها، وخلق آفاقاً جديدة أمام الفتاة كي تفيد منها في توكيد القيم الأخلاقية والاهتمامات الثقافية والعلمية. وكم تكون الصورة رائعة عندما تكون العلاقة بين الأم وابنتها علاقة صداقة ملونة بالثقة والصدق، وهل أروع وأعمق من تلك الصداقة لكلا الطرفين. .؟؟ حيث من خلالها تبين الأم لابنتها أن أجمل ما في الحياة هو ذلك الطفل المختبئ داخل كل إنسان حيث يجعله نقياً مرحاً وبريئاً في بعض الأحيان، ويخفف قسوة الحياة أحياناً أخرى. على أن يتم كل هذا من خلال رقابة دائمة وصارمة أحياناً. وانطلاقاً من هذه المقولة، على الأم ألاَ تعزز حالة الأنوثة عند الفتاة وألاَ تضخمها، فتكبر هذه الفتاة قبل الأوان ويقتصر مفهوم النضج لديها على الجانب الأنثوي والجمالي، ويتقلص اهتمامها بشخصيتها إلى المكياج والتزين فقط دون الاهتمام بالجوانب المهمة الأخرى، وهذا ما يجعل منها إنسانة سطحية لا هم لها إلاَ مظهرها المتمثل في آخر صيحات الموضة إضافة إلى إقامة العلاقات العاطفية غير السوية، لأن مجمل هذه الأمور إن تعرضت لها الفتاة المراهقة فإنها ستعيش حالة من الفوضى والضياع النفسي والقيمي، إضافة إلى إهمال الدراسة والتفكير الجدي بمستقبلها خصوصاً أنها ستصبح أماً ( فكيف سيكون الوضع هنا..؟ لا سيما ونحن نرى كل لحظة ما آلت إليه سلوكيات الشباب وفي مختلف مراحل العمر خصوصاً المراهقين منهم.) بل على العكس من ذلك، على الأم تعزيز المواهب الفنية والأدبية لدى الفتاة إن وجدت، أو محاولة خلقها، إضافة إلى تعزيز الاهتمام بالدراسة والتفوق، حتى تكون عنصراً إيجابياً وفاعلاً بالمجتمع الذي تكوَن هي نصفه، وتربي النصف الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق